إذا كان أغلب أطفال الشوارع في الوطن العربي وفي العالم قد دفعوا إلى أن يعيشوا في الشارع
بسبب يتمهم أو تفكك أسرهم أو بسبب الظروف الصعبة التي يعيشونها فإن الوضع بالنسبة لأطفال
الشوارع الذين يقدر عددهم في موريتانيا بألف طفل مختلف إلى حد ما.
بدأت علاقة آمادو بالشارع حينما أرسله والده قبل أربع سنوات إلى شيخه ليتعلم القرآن, يستهل
"آمادو" يومه بقراءة أربعة دروس من القرآن الكريم كتبت في لوحه الصغير بقلم من الجريد وحبر
صنع من الفحم والصمغ ثم يحفظها على معلمه عن ظهر قلب . يغسل "آمادو" درسه القديم ليكتب
درسا جديدا ثم يتناول فطوره الذي اعتاد عليه "قطعة من الخبز الحافي".
ينطلق "آمادو" إلى المستشفى الوطني صباحا في رحلة يومية حاملا همه الصغير, مسليا نفسه
بقرب حلمه الكبير يطرق باب كل حجرة ويقرأ خواتم سورة الصف (نصر من الله وفتح قريب ...) ثم
يتلقى ما كتب الله له من صدقات المرضى وذويهم الذين قد يتعاطف معه بعضهم فيعطيه بسخاء,
لايخفي آمادو أنه يتلقى بعض المضايقات خصوصا من بوابي المستشفى الذين يمنعونه من الدخول
لذلك فهو لا يأتي إلا في أوقات الزيارة حيث تكون الأبواب مفتوحة .
بعد انتهاء أوقات الزيارة في المستشفى الوطني يخرج آمادو ليلتقي مجموعة من أصحابه وليفرزوا
ما تلقوه من صدقات, إذ ليست دائما نقودا فهي تارة سكر أو بقايا طعام أو فواكه, ثم يتجمع
الأصدقاء عند ملتقيات الطرق وإشارات المرور ليكملوا مشوارهم الصباحي وليستكملوا ما كتب
لهم من أرزاق.
في حدود الساعة الواحدة ظهرا يكون آمادو قد عاد إلى معلمه ليسلمه ما تلقى من هدايا نقدية , أو
قابلة للادخار من أرز وسكر وشاي , وبعد وقت قصير يتناول الغداء مع بعض زملائه الذين حضروا
من رحلتهم الصباحية.
بعد الغداء يبدأ آمادو في تصحيح درسه الجديد الذي كتبه معلمه في غيابه, وبعد أن يحفظه ينطلق
في رحلة مسائية إلى حيث الأسواق, رحلة أشبه بالنزهة من العمل, حيث يتجمع أطفال الشوارع
ليلعبوا لعبة الورق فيما يذهب بعضهم ليمسح زجاج السيارات في انتظار ما يجود به السائقون ,
وحينما تمتد يد السائق بمبلغ زهيد يدسونه في جيوبهم وينطلقون إلى سيارات أخرى .
يعود آمادو وزملاؤه "الآلمودات" وهم حوالي العشرين إلى عريش بجوار مسكن شيخهم الذي
يعلمهم القرآن ليتناولوا وجبة العشاء جماعيا في طبق واحد قد لا يكفي لسد رمق عشرة منهم لكن
"في الجماعة بركة" وكما يقال "طعام الواحد يكفي الاثنين" .بعد دقائق من تناول العشاء يكون
آمادو وزملاؤه قد استسلموا لنوم عميق مفترشين التراب أوبساطا متواضعا في أفضل الحالات و
بعضهم لا يمتلك أغطية شتوية ليستيقظوا على فجر يوم جديد.